هل يوجد إسلام للفلاسفة؟ وهل الإسلام الذي يعتبر القرآن والسنّة أعمدته الرئيسية هو المقصود هنا؟ وهل التغير الذي طرأ على طبيعة الإسلام على مر الزمان والمكان أنتج أنواعًا مختلفة من الإسلام؛ مثل إسلام الفلاسفة وإسلام المتكلمين؟ وما هي مكانة الفلاسفة عند المسلمين، وخاصة الفلاسفة المسلمين؟ وهل يختلف التصور الفلسفي الإسلامي للوحي والنبوة عن التفسير السلفي؟ وما هي القضايا التي اختلف فيها فلاسفة المسلمين؟
على مر التاريخ تعرّض الإسلام للعديد من البيئات والثقافات والأزمنة المختلفة التي أنتجت بشكل ما أنواع مختلفة من الإسلام؛ في طبيعته الاجتماعية والسياسية والثقافية بل وربما العقائدية. هذا التنوع الغزير والتوسّع الذي شهده الإسلام أنتج أشكال مختلفة مرتبطة جميعها بالإسلام؛ كدين وثقافة.
فمثلا أنتج التاريخ لنا أنواع خاصة من الإسلام، مثل: إسلام الفلاسفة، إسلام المتكلمين، إسلام الفقهاء، إسلام الساسة... وهكذا. كل هذه الأشكال تكوّنت بفعل العوامل التاريخية والثقافات المختلفة التي مر عليها الإسلام عبر تاريخه. ومن هنا يمكن القبول بفكرة وجود نوع خاص اسمه: إسلام الفلاسفة، كواحد من متعدد من مختلف الأنواع التي ارتبطت بالإسلام.
أما إسلام الفلاسفة فهو مفهوم مركّب، يتكون من الإسلام، الذي يعني في التعريف السني له أنّه الشريعة التي أتى بها رسول الله (ص ) محفوظة داخل القرآن والسنة النبوية. أما الفلسفة فهي الحكمة والاهتداء عليها عن طريق العقل. وهنا تظهر المشكلة الأهم التي ستواجهنا، وهي كيف يمكن الجمع بين نقيضين في مفهوم واحد؟ فالإسلام أغلب أموره وأوامره نافذة وصريحة لا مجال للعقل والتفكير فيها، أما الفلسفة فمكونها الرئيسي هو العقل وأساليب التفكير.
وتظهر هنا أسئلة مهمة مثل: كيف استطاع الفلاسفة المسلمون التوفيق بين هذين النقيضين؟ وما هو تصورهم للإسلام في ظل تفكيرهم وأسلوبهم الفلسفي؟ وهل سعوا لجعل المفاهيم الفلسفية تتناسب مع الإسلام؟ أم أنهم حاولوا جعل الإسلام يتناسب مع الفلسفة؟
كل هذه الأسئلة وغيرها يدفعنا لطرحها الموقف الذي كان فيه الفلاسفة المسلمون قديما، فهم قادة التفكير العقلي الذين واجهوا الثقافة السائدة وأصحاب النقل ومتبعي منهج الحنابلة، أو من يطلق عليهم حديثا السلفيين. فثقافة وعلم الفلاسفة كانت مهملة تماما في بدايات القرون الأولى للإسلام؛ حيث كانت الفلسفة وبعض العلوم الأخرى في نهاية الاهتمامات والعلوم التي قد يهتم بها العلماء المسلمين الأوائل.
هناك فكرة أخرى ستطرح نفسها بنفسها؛ هل هناك فلسفة إسلامية بالأساس؟ الإجابة صعبة، ولكن هناك نوعين من الرد على هذا السؤال، الأول: أنّه لا توجد فلسفة إسلامية، وإنما هي مجرد عملية نقل لما أنتجه الفكر اليوناني فقط. أما الثاني: فيقول أنّ هناك ما يمكن أن نسميه فلسفة إسلامية وفلاسفة مسلمين، نشأ كل منهم في بيئته الإسلامية الخاصة، ورأى الإسلام بشكل مختلف وليس تقليدا للفلسفة اليونانية فقط.
من هم الفلاسفة المسلمون؟ وهل أنتجت الفلسفة الإسلامية ما يمكن اعتباره منتج فلسفي؟ هذا ما سنتعرف عليه.
عادة ما يلجأ الباحثون في الفلسفة الإسلامية وتاريخها إلى كتب التراجم الشهيرة، التي درجة ثقتها عالية فيما ترويه. ولكن يظهر بعد القليل من القراءة والبحث أن أغلب كتب التراجم، والتي من أشهرها كتاب (سير أعلام النبلاء ) وكتاب (لسان الميزان )، تعتمد هذه الكتب على رؤية دينية وأخلاقية للمؤلف؛ فإذا خالفت آراء الفيلسوف رأي المؤلف كان يكتب فيه ذم كثير.
ويستطيع المرء بسهولة رؤية العداء والخلاف الشديد بين فلاسفة الإسلام والفقهاء وأهل الحديث، فيقول (السيوطي ) أن جميع المذاهب السنية الأربعة رفضت وحاربت الفلسفة والفلاسفة المسلمين؛ نظرا لفساد منهجها وما بها من أباطيل. وكانت تهمة الزندقة والكفر جاهزة دائما للفلاسفة، بل وتم استخدامها من العديد من الأطراف لتشويه الآخرين.
وقد رفض جميع الفقهاء علم المنطق لما يسببه في زعزعة استقرار عقيدة دارسيه، فحتى (الغزالي ) لم يسلم من التجريح والنقد بسبب دراسته لعلم الفلسفة والمنطق؛ والذي كان يدعو إلى دراسته (الغزالي ) ولا يرى تعارض بينه وبين الدين وعلومه، خاصة علم الحديث.
وبقدر ما كان علم المنطق محبوبا لدى الفلاسفة فقد كان مذموما جدا من الفقهاء وأهل الحديث، ويرجع ذلك لسببين، الأول: عدم فهمه من قبل منتقديه وظنّهم أنه يشوش عليهم عقيدتهم. والثاني: لأن المنطق الفلسفي المعتمد على البرهان والدليل يختلف مع المنطق الذي كانت تسير به عملية تجميع الأحاديث؛ وكان علم المنطق الرافض للنقل هو أخطر علم يمكن أن يواجه علم الحديث. وبذلك يمكننا فهم سبب رفض الفقهاء لعلم المنطق وللفلسفة ككل.
أما عن حياة الفلاسفة المسلمين فنذكر (الفارابي ) الذي عاش فقيرا، كان لا يجد مسكنا له زاهدا بسبب حالته، وكان يقضي ليله في الدعاء والتضرع إلى الله. أما (ابن سينا ) فكان دائم التردد على الجامع يبتهل ويصلي لله، وإذا استعصت عليه مسألة فلسفية كان يسأل الله أن يحلها له، وأيضا كان من محبي شرب الخمر؛ ظنا منه أنها تساعده على الاستيقاظ حتى وقت متأخر وإنجاز العمل.
أما عن (ابن رشد ) فقد كان فقيها عارفا بالدين وعقيدته، ولكن اتهامه بالكفر والتفلسف تسبب في طرده في أحد الأيام من المسجد؛ بسبب عمله بالفلسفة وأفكاره التي مثل أفكار الزناديق.
ورغم اقتراب أغلبهم من دوائر صنع القرار والسلاطين؛ أحرقت جميع مؤلفاتهم وكتبهم التي كانت موجودة حينها لعداوتهم مع أهل الفقه والحديث، بالإضافة إلى عامة الناس الذين وقفوا في صف علماء الفقه.
اكمل قراءة الملخص كاملاً علي التطبيق الان
ثقف نفسك بخطة قراءة من ملخصات كتب المعرفة المهمة
هذه الخطة لتثقيف نفسك و بناء معرفتك أُعدت بعناية حسب اهتماماتك في مجالات المعرفة المختلفة و تتطور مع تطور مستواك, بعد ذلك ستخوض اختبارات فيما قرأت لتحديد مستواك الثقافي الحالي و التأكد من تقدم مستواك المعرفي مع الوقت
حمل التطبيق الان، و زد ثقتك في نفسك، و امتلك معرفة حقيقية تكسبك قدرة علي النقاش و الحوار بقراءة اكثر من ٤٣٠ ملخص لاهم الكتب العربية الان